فصل: قال بيان الحق الغزنوي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الفراء:

سورة لقمان: {هُدًى وَرَحْمَةً لّلْمُحْسنينَ}.
وقوله: {هُدًى وَرَحْمَةً}.
أكثر القراء على نصب الهُدَى والرحمة على القطع. وقد رفعها حمزة على الائتناف؛ لأنها مُسْتأنفة في آية منفصلةٍ من الآية قبلها. وهى في قراءة عبدالله {هُدًى وبُشْرى}.
{وَمنَ النَّاس مَن يَشْتَري لَهْوَ الْحَديث ليُضلَّ عَن سَبيل اللَّه بغَيْر علْمٍ وَيَتَّخذَهَا هُزُوًا أُوْلَئكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهينٌ}.
وقوله: {وَمنَ النَّاس مَن يَشْتَري لَهْوَ الْحَديث}.
نزلت في النَضْر بن الحارث الدارىّ. وكان يشترى كتب الأعاجم فارسَ والروم وكتب أهل الحيرة ويحدّث بها أهل مكة؛ وإذا سمع القرآن أعرض عنه واستهزأ به. فذلكَ قوله: {وَيَتَّخذَهَا هُزُوًا} وقد اختلف القراء في {وَيَتَّخذَهَا} فرفع أكثرهم، ونصبها يحيى بن وَثَّاب والأعمش وأصحابُه. فمن رفع ردّها عَلى {يَشْتَري} ومن نصبها ردّها على قوله: {ليُضلَّ عَن سَبيل اللَّه} وليتَّخذهَا.
وقوله: {وَيَتَّخذَهَا} يذهب إلى آيات القرآن. وإن شئت جعلتها للسبيل؛ لأن السَّبيل قد تُؤنَّث قال: {قُلْ هذه سَبيلى أَدعُو إلَي الله} وفى قراءة أُبَىّ: {وإنْ يَرَوْا سَبيلَ الرُشْد لاَ يَتّخذُوهَا سَبيلًا وَإنْ يَرَوْا سَبيلَ الغَىّ يَتّخذُوهَا سَبيلًا}.
حدَّثنا أبو العبَّاس قال حدَّثنا محمد قال حدَّثنا الفراء قال حَدَّثنى حبَّان عن ليث عن مجاهد في قوله: {وَمنَ النَّاس مَن يَشْتَري لَهْوَ الْحَديث} قال: هو الغناء قال الفراء: والأوّل تفسيره عن ابن عباس.
{خَلَقَ السَّمَاوَات بغَيْر عَمَدٍ تَرَوْنَهَا وَأَلْقَى في الأَرْض رَوَاسيَ أَن تَميدَ بكُمْ وَبَثَّ فيهَا من كُلّ دَآبَّةٍ وَأَنزَلْنَا منَ السَّمَاء مَاءً فَأَنْبَتْنَا فيهَا من كُلّ زَوْجٍ كَريمٍ}.
وقوله: {وَأَلْقَى في الأَرْض رَوَاسيَ أَن تَميدَ بكُمْ}.
لئلاّ تميد بكم. وأَنْ في هذا الموضع تكفى من لا كما قال الشاعر:
والمهرُ يأبى أن يزال مُلهبا

معناه: يأبى أن لا يزال.
سورة لقمان: {هَذَا خَلْقُ اللَّه فَأَرُوني مَاذَا خَلَقَ الَّذينَ من دُونه بَل الظَّالمُونَ في ضَلاَلٍ مُّبينٍ}.
وقوله: {هَذَا خَلْقُ اللَّه}.
من ذكْره السمواتُ والأرضُ وإنزاله الماء من السمَاء وإنباتُه {فَأَرُوني مَاذَا خَلَقَ الَّذينَ} تعبدونَ {من دُونه} يعنى: آلهتهم. ثمّ أكذبهم فقال: {بَل الظَّالمُونَ في ضَلاَلٍ مُّبينٍ}.
{وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحكْمَةَ أَن اشْكُرْ للَّه وَمَن يَشْكُرْ فَإنَّمَا يَشْكُرُ لنَفْسه وَمَن كَفَرَ فَإنَّ اللَّهَ غَنيٌّ حَميدٌ}.
وقوله: {وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحكْمَةَ}.
حَدَّثنا أبو العباس قال حدَّثنا محمّد قال حدَّثنا الفراء قال: حدَّثني حبَّان عن بعض مْنَ حدَّثه قال: كان لقمان حبشيًا مجَدَّعًا ذا مشْفَر.
{وَإن جَاهَدَاكَ عَلَى أَن تُشْركَ بي مَا لَيْسَ لَكَ به علْمٌ فَلاَ تُطعْهُمَا وَصَاحبْهُمَا في الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبعْ سَبيلَ مَنْ أَنَابَ إلَيَّ ثُمَّ إلَيَّ مَرْجعُكُمْ فَأُنَبّئُكُمْ بمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ}.
وقوله: {وَصَاحبْهُمَا في الدُّنْيَا مَعْرُوفًا}.
أى أحسن صحبتَهما.
{يابُنَيَّ إنَّهَآ إن تَكُ مثْقَالَ حَبَّةٍ مّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ في صَخْرَةٍ أَوْ في السَّمَاوَات أَوْ في الأَرْض يَأْت بهَا اللَّهُ إنَّ اللَّهَ لَطيفٌ خَبيرٌ}.
وقوله: {يابُنَيَّ إنَّهَآ إن تَكُ مثْقَالَ حَبَّةٍ مّنْ خَرْدَلٍ}.
يجوز نصب المثقال ورفعُه. فمن رفع رفعه بتكُنْ واحتملت النكرة ألاَّ يكون لها فعل في كانَ وليَس وأخواتها. ومن نصب جَعَل في تكن اسمًا مضمرا مجهولًا مثل الهاء التي في قوله: {إنَّهَآ إن تَكُ} ومثل قوله: {فَإنَّهَا لاَ تَعْمَى الأبصارُ} وجَاز تأنيث تك والمثقال ذكر لأنه مضاف إلى الحبَّة والمعنى للحبَّة، فذهب التأنيث إليها كما قال:
وتشرق بالقول الذي قد أَذَعتَه ** كَمَا شَرقت صَدرُ القناة من الدم

ولو كان: {إن يَكُ مثْقَالَ حَبَّةٍ} كان صوابًا وجاز فيه الوجهان. وقوله: {فَتَكُنْ في صَخْرَةٍ} يقال: إنَّها الصَّخرة التي تحت الأرض: وهى سجّين: وتُكتب فيها أعمال الكفّار. وقوله: {يَأْت بهَا اللَّهُ} فيجازى بها.
{وَلاَ تُصَعّرْ خَدَّكَ للنَّاس وَلاَ تَمْش في الأَرْض مَرَحًا إنَّ اللَّهَ لاَ يُحبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ}.
وقوله: {وَلاَ تُصَاعرْ} قرأهَا أهل المدينة وعاصم بن أبى النَجُود والحسن: {تصعّر} بالتشديد: وقرأها يحيى وأصحابُه بالألف {ولا تُصاعرْ} يقول: لاَ تمّيل خَدَّك عن الناس من قولك: رجل أَصعر. ويجوز ولا تُصْعر ولم أسمع به.
{وَاقْصدْ في مَشْيكَ وَاغْضُضْ من صَوْتكَ إنَّ أَنكَرَ الأَصْوَات لَصَوْتُ الْحَمير}.
وقوله: {إنَّ أَنكَرَ الأَصْوَات لَصَوْتُ الْحَمير}.
يقول: إن أَقبح الأصوات لصوتُ الحمير. وأنت تقول: له وجه منكَر إذا كان قبيحًا. وقال: {لَصَوْتُ الْحَمير} ولو قيل: أصْوات الحمير لكان صوابًا. ولكن الصَّوت وإن كان أُسْند إلى جمع فإن الجمع هذا الموضع كالواحد.
{أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَّا في السَّمَاوَات وَمَا في الأَرْض وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نعَمَهُ ظَاهرَةً وَبَاطنَةً وَمنَ النَّاس مَن يُجَادلُ في اللَّه بغَيْر علْمٍ وَلاَ هُدًى وَلاَ كتَابٍ مُّنيرٍ}.
وقوله: {وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نعَمَهُ ظَاهرَةً وَبَاطنَةً}.
حدَّثنا أبو العباس، قال: حَّدثنا محمد، قال حدثنا الفراء قال حدَّثنى شَريك بن عبدالله عنْ خَصيف الجَزَرىّ عن عكْرمة عن ابن عبّاس أَنه قرأ: {نعْمَةً} واحدة. قال ابن عباسٍ: ولو كانت {نعَمَهُ} لكانت نعمة دون نعمةً أو قال نعمة فوق نعمةٍ، الشكّ من الفراء. وقد قرأ قوم {نعَمُه} عَلى الجمع. وهو وجه جيّد؛ لأنه قال: {شَاكرًا لأنعُمه اجْتَباهُ} فهذا جمع النعَم وهو دليل على أَنَّ {نعَمَهُ} جَائز.
{وَمَن يُسْلمْ وَجْهَهُ إلَى اللَّه وَهُوَ مُحْسنٌ فَقَد اسْتَمْسَكَ بالْعُرْوَة الْوُثْقَى وَإلَى اللَّه عَاقبَةُ الأَمُور}.
وقوله: {وَمَن يُسْلمْ وَجْهَهُ إلَى اللَّه}.
قرأها القرّاء بالتخفيف، إلا أبا عبدالرحمن فإنه قرأها {وَمَنْ يُسَلّم} وهو كقولكَ للرجل أَسْلم أمرك إلى الله وسلّم.
{وَلَوْ أَنَّمَا في الأَرْض من شَجَرَةٍ أَقْلاَمٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ من بَعْده سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَّا نَفدَتْ كَلمَاتُ اللَّه إنَّ اللَّهَ عَزيزٌ حَكيمٌ}.
وقوله: {وَلَوْ أَنَّمَا في الأَرْض من شَجَرَةٍ أَقْلاَمٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ}.
ترفع ولو نصبته كان صوابًا؛ كما قَرأت القراء {وَإذا قيل إنَّ وَعْدَ الله حَقٌّ والسَّاعَةُ لاَ رَيْبَ فيهَا} و{الساعة} وفى قراءة عبدالله {وبَحْرُ يَمُدُّهُ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ} يقول: يكون مدادًا كالمداد المكتوب به. وقول عبدالله يقوّى الرفع. والشىء إذا مَدَّ الشىء فزاد فكان زيادةً فيه فهو يَمُدُّه؛ تقول دجلة تَمُدّ بئارنا وأنهارنا، والله يُمدّنا بها. وتقول: قد أمددتك بألفٍ فَمَدُّوك، يقاس على هذا كلّ ما ورد.
{مَّا خَلْقُكُمْ وَلاَ بَعْثُكُمْ إلاَّ كَنَفْسٍ وَاحدَةٍ إنَّ اللَّهَ سَميعٌ بَصيرٌ}.
وقوله: {مَّا خَلْقُكُمْ وَلاَ بَعْثُكُمْ إلاَّ كَنَفْسٍ وَاحدَةٍ}.
إلا كبعث نفس واحدة. أضمر البعث لأنه فعل؛ كما قال: {تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كالذى يُغْشَى عَلَيْه منَ المَوْت} المعنى- والله أعلم: كدوران عين الذي يُغشى عليه من الموت، فأضمر الدوران والعين جميعًا.
{أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْري في الْبَحْر بنعْمَة اللَّه ليُريَكُمْ مّنْ آيَاته إنَّ في ذَلكَ لآيَاتٍ لّكُلّ صَبَّارٍ شَكُورٍ}.
وقوله: {بنعْمَة اللَّه}.
وقد قرئتْ {بنعمَات الله} وقلَّما تفعل العرب ذلكَ بفعلةٍ: أن تُجمع عَلى التاء إنّما يجمعونها على فعَلٍ؛ مثل سدْرة وسدَر، وخرقة وخرَق. وإنّما كرهوا جمعه بالتاء لأنهم يُلزمون أنفسهم كسرَ ثانية إذا جُمع؛ كما جمعُوا ظُلْمة ظُلُمات فرفعوا ثانَيها إتباعًا لرَفعة أوَّلها، وكما قالوا: حَسراتٌ فأَتبَعُوا ثانيها أولها. فلمَّا لزمهم أَن يقولوا: بنعمات استثقلوا أن تتوالى كسرتان في كلامهم؛ لأنا لم نجد ذلكَ إلاَّ في الإبل وحدها. وقد احتمله بعض العرب فقال: نعماتٌ وسدراتٌ.
{وَإذَا غَشيَهُمْ مَّوْجٌ كَالظُّلَل دَعَوُا اللَّهَ مُخْلصينَ لَهُ الدّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إلَى الْبَرّ فَمنْهُمْ مُّقْتَصدٌ وَمَا يَجْحَدُ بآيَاتنَآ إلاَّ كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ}.
وقوله: {كُلُّ خَتَّارٍ}.
الختَّار: الغدَّار وقوله: {مَوْجٌ كالظُلَل} فشبّهه بالظلل والموج واحد لأن الموج يركب بعضهُ بعضًا، ويأتى شيء بعد شيء فقال: {كالظُلَل} يعنى السحاب.
{يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لاَّ يَجْزي وَالدٌ عَن وَلَده وَلاَ مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالده شَيْئًا إنَّ وَعْدَ اللَّه حَقٌّ فَلاَ تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلاَ يَغُرَّنَّكُم باللَّه الْغَرُورُ}.
وقوله: {باللَّه الْغَرُورُ}.
ما غَرّك فهو غَرُور، الشيطان غَرور، والدنيا غرور. وتقول غررته غُرورًا ولو قرئت ولا يغرنّكم بالله الغُرور يريد زينة الأشياء لكان صوابًا.
{إنَّ اللَّهَ عندَهُ علْمُ السَّاعَة وَيُنَزّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا في الأَرْحَام وَمَا تَدْري نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسبُ غَدًا وَمَا تَدْري نَفْسٌ بأَيّ أَرْضٍ تَمُوتُ إنَّ اللَّهَ عَلَيمٌ خَبيرٌ}.
وقوله: {إنَّ اللَّهَ عندَهُ علْمُ السَّاعَة وَيُنَزّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا في الأَرْحَام}.
فيه تأويل جحد المعنى: ما يعلمهُ غيره {وَمَا تَدْري نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسبُ غَدًا} خرج هذا على الجحد. والمعنى الظاهرُ والأوَّل معروف بالضمير للجحد.
وقوله: {بأَيّ أَرْضٍ} وبأيَّة أرض. فمن قال: {بأَيّ أَرْضٍ} اجتزأ بتأنيث الأرض من أن يُظهر في أي تأنيثا آخر، ومن أنَّث قال قد اجتزءوا بأىّ دون ما أضيف إليه، فلابد من التَّأنيث؛ كقولك: مررت بامرأة، فتقول: أَيَّةٍ، ومررت برجلين فتقول أَيَّيْن. اهـ.

.قال بيان الحق الغزنوي:

سورة لقمان:
{لهو الحديث} (6) الأسمار والأخبار الكسروية. وقيل: الغناء.
{وهنًا على وهن} (14) أي: نطفة وجنينًا. وقيل: ضعف الحمل على ضعف الأنوثة.
{أن اشكر لي ولوالديك} اشكر لي حق النعمة، ولهما حق التربية.
{وإن جاهداك} (15) أي: جهدا في قبولك، وجهدت في الامتناع ليكون مفاعلة.
{إنها إن تك} (16) بلغت. إنها إن تك: الهاء كناية عن الخطيئة، ويجوز أن تكون عائدة إلى الحسنة، كقوله: {إنها تذكرة}.
{يأت بها الله} بجزائها. وقيل: إنها الرزق، فلو كان تحت الأرض، ولو كان أقل قليل لأخرجه إليك.
{ولا تصعر خدك} (18) لا تكثر إمالة الخد عن الناس صدًا وإعراضًا. وقيل: هو التشدق عند التكلم تجبرًا وتعمقًا، قال الحطيئة:
أم من لخصم مضجعين قسيهم ** صعر خدودهم عظام المفخر

{لصوت الحمير} (19) إذ أوله زفير، وآخره شهيق.وليس فيما يعايش الناس أرفع صوتًا من الحمير.
{كنفس واحدة} (28) كخلق نفس واحدة.
{والبحر} (27) بالرفع على الابتداء، والخبر: {يمده}. وإنما حسن الابتداء في أثناء الكلام، لأن قوله: {ولو أنما في الأرض} قد فرغ فيها إن من عملها. وقيل: إن واو {والبحر} واو الحال وليست للعطف، أي: والبحر هذه حاله.
{فمنهم مقتصد} (32) عدل وفي بما عاهد الله عليه في البحر.
{كل ختار} جاحد. وقيل: غدار. تمت سورة لقمان. اهـ.